قوله:((تَرِبَتْ يَدَاكَ)): هذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم عليه بأن تلصق يده بالتراب من الفقر، وهو من الألفاظ التي تقولها العرب وهم لا يريدون حقيقتها، وقد يراد به الحقيقة، كما في هذا الدعاء على ابن صياد.
وفيهما: أن ابن صياد ادعى النبوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ))؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه:((ذَرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَقْتُلَهُ))؛ لأنه يهودي كافر، ومدَّعٍ للنبوة.
قوله:((إِنْ يَكُنِ الَّذِي تُرَى فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ)): تُرى بمعنى: تظن، أي: إن كان الذي تظن من أنه الدجال الأكبر فلن تستطيع قتله، كما يدل عليه الحديث الذي بعده:((فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ))؛ لأنه لا بد أن يمكث المدة التي قدَّرها الله له أن يمكثها في الأرض، كما سيأتي في حديث الدجال، وهي:((أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ))، ولا بد أن تجري على يديه الخوارق، والأمور التي قدَّرها الله عز وجل، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف أنه الدجال في أول الأمر، حتى أعلمه الله بعد ذلك أنه ليس هو الدجال الأكبر.
وفيهما: أن ابن صياد ادعى الكهانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا))، فَقَالَ: دُخٌّ، وخبأت، يعني: أضمرت في نفسي، وأخفيت، والدُّخ لغة في الدخان، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أضمر له هذه الآية: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}، فعرفها ابن صياد.
وفيهما: أنه لا يجوز للإنسان أن ينفذ الأحكام بنفسه، بل لا بد أن يكون ذلك عن طريق ولاة الأمور؛ ولهذا استأذن عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((دَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ))، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن له في قتله.
مسألة: لِمَ لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد؟