ولكنه اعتذر منه، وقال:((إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ)): فلم يأخذ منه، والسبب في عدم أخذه اللبن هو: أنه يكره أن يأخذ من يده شيء، لا من أجل أن اللبن حار.
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ:((دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ)).
قوله:((دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ)): معناه: أنها في البياض درمكة، وفي الطيب مسك، والدرمك: هو الدقيق الحوَّارَى خالص البياض.
وفي هذا الحديث: دليل على تصديق الكاذب إذا قال صدقًا، ولو كان هو في نفسه كاذبًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صدَّقه.
وفيه: دليل أن الحق يُقبل ممن جاء به، ولو كان كافرًا، أو كاذبًا، فهذا حق جاء به ابن صياد، ومع ذلك صدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم في أن الجنة ((دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ))، كما ثبت هذا من قوله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأدلة- أيضًا- على قبول الحق ممن جاء به ولو كان كاذبًا أو كافرًا: قبول النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودي لما قال: ((يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام: ٩١])) (١)؛ تصديقًا لقول الحق، وكذلك