قوله:((فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ)): فيه: أنه لو لم يتعلم منه لهلك وصار مثل هؤلاء الكفار في زمانه.
وهذا الراهب هو من رهبان النصارى الذين كانوا على الحق قبل التغيير والتبديل.
وقوله:((فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ)): فيه: أنه لا بأس بالكذب لإنقاذ النفس أو الغير من الهلاك.
وقوله:((فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ، أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ، فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ)): هذا أولًا ولم يكن قد تبين الأمر بعدُ، ولم يذق حلاوة الإيمان، فلما رأى هذه الدابة تمنع الناس من المرور أخذ حجرًا، ودعى ربه، فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهب أحبَّ إليك فاقتل هذه الدابة؛ حتى يمر الناس، فرماها بحجر، فقتلها فمر الناس، ويحتمل أن تكون هذه الدابة حية، وجاء في رواية الترمذي:((إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتْ أَسَدًا)) (١).
وقوله:((فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى)): هذا اعتراف من الراهب بفضل الغلام، وقوله:((أَيْ بُنَيَّ)): هذا تلطف من الكبير للصغير، وهذه البنوة ليست بنوة نسب، وإنما هي بنوة الكِبَر، والتعليم، والراهب قال هذا الكلام للغلام لما رأى الكرامة التي أكرمه الله بها من قتله للدابة، وتوجهه إلى الخير والاستقامة، وقال