للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

له: ((إِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ))، وقد عرف الراهب هذا؛ لأن الله تعالى لا بد أن يمحص المؤمن ويبتليه لحكمته، وقد قال تعالى: {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [؟ ؟ : ؟ ؟ ]، فيبتلى صاحب الدين أولَ أمره، فإذا نجح في الامتحان وصبر كانت له العاقبة.

وقوله: ((وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ)): هذه كرامة من كرامات الأولياء، وأول الكرامات: أنه قتل الدابة، والثانية: أنه صار يبرئ الأكمه- وهو الذي يولد أعمى-، والأبرص، فيدعو الله أن يشفيهم على يديه فيشفيهم.

وفيه: إثبات الكرامات للأولياء، ولهذا أمثله كثيرة، ومن ذلك: ما حصل لمريم عليها السلام من الكرامات، فقد كانت تأتيها فاكهة الشتاء في زمن الصيف، وفاكهة الصيف في زمن الشتاء (١).

وكما حصل لخبيب رضي الله عنه لما أرادوا قتله وجدوا عنده قطفًا من العنب يأكل منه، حتى قيل فيه: ((وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ)) (٢).

وقوله: ((فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ) يعني: أن هذا الأعمى كان كافرًا، وكان يجلس عند الملك، فلما سمع أن هذا الغلام يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله جاء إليه بهدايا كثيرة، وقال له: هذه الهدايا كلها لك إن شفيتني، فقال له الغلام: أنا لا أشفي؛ وإنما الشافي هو الله سبحانه وتعالى، فإن آمنتَ بالله دعوتُ الله لك فشفاك، فآمن الأعمى، فدعى الله له فشفاه.


(١) تفسير ابن جرير (٥/ ٣٥٩).
(٢) أخرجه البخاري (٣٠٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>