للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها: ((من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا)) (١).

والجواب عن هذا الاعتراض: أن من عَلِم فهو حجة على من لم يعلم، وإنما أخبرت رضي الله عنها عما رأته يفعله صلى الله عليه وسلم في البيوت، فأخبرت على حد علمها، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فحذيفة حفظ بأنه بالَ قائمًا وعائشة لم تعلمه، والجمع بين حديث حذيفة وبين قول عائشة: ((ما كان يبول إلا قاعدًا)) أن هذا محمول على الأحسن والأحوط والأفضل.

قال النووي: ((وقد روي في النهي عن البول قائمًا أحاديث لا تصح، ولكن حديث عائشة هذا ثابت؛ فلهذا قال العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم)) (٢).

وحجة المانعين من البول قائمًا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر وقد رآه يبول قائمًا: ((يا عمر لا تبل قائمًا)) قال: ((فما بلت قائمًا بعد)) (٣).

واختلف العلماء في سبب كونه صلى الله عليه وسلم بال قائمًا فقال بعضهم: إن هذا لوجع في صلبه، وأن العرب كانت تستشفي بالبول قائمًا من وجع الصلب، وقال آخرون: إنه لوجع بمؤدبه، والمؤدب هو باطن القدم فهو لا يستطيع الجلوس من هذا الوجع، وقال آخرون: إنه بالَ قائمًا؛ لأن المكان كان غير مناسب؛ لأن السباطة كانت مرتفعة فلو جلس لارتد البول عليه، وقال آخرون: إنه بالَ قائمًا؛ لأن البول قائم أحصن للدبر فلا يخرج منه شيء إذا كان قائمًا، أما إذا كان جالسًا فقد يخرج الحدث من الدبر، ولهذا قال عمر: ((البول قائمًا أحصن للدبر)) (٤)، وقال آخرون: إنه بالَ قائمًا لبيان الجواز، وهذا هو


(١) أخرجه أحمد (٢٥٠٤٥)، والترمذي (١٢).
(٢) شرح النووي على مسلم (٣/ ١٦٦).
(٣) أخرجه الترمذي (١٢) معلقًا، ووصله ابن ماجه (٣٠٨).
(٤) أخرجه البيهقي في الكبرى (٤٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>