وفيه دليل على أن المساجد يجب أن تصان عن بول الآدمي، وعن سائر الأقذار، وفيه دليل- أيضًا- على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وأن الجاهل يُعلَّم برفق، وفيه ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما؛ فإن الأعرابي بال في المسجد وتنجست بقعة من المسجد فلو ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ليزجروه لقام، وإذا قام تنجست عدة مواضع من المسجد، وقد يلطخ ثيابه وفخذيه بالنجاسة، وقد يضر به صحيًّا عندما يقطع بوله، فالنبي صلى الله عليه وسلم تلافى هذه المفاسدَ كلَّها، واحتمل المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى.
[٢٨٥] حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاق، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ، مَهْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ))، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ:((إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ، لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ))، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ.
قوله:((مَهْ، مَهْ)) هي كلمة زجر.
ومن حسن خلقه ورحمته صلى الله عليه وسلم: أن الصحابة لما أرادوا منعه، وفي رواية:((ليقعوا به)) (١)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تزرموه)) أي: اتركوه، ولا تقطعوا عليه بوله، فلما قضى بوله علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم برفق قال: ((إن هذه المساجد لا تصلح