للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذا الحديث: بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان منهم رضي الله عنهم من لا يرفع طرف عينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال عمرو بن العاص: ((وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ)) (١).

وقد كانوا رضي الله عنهم نُهوا أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ونُهوا أن يسألوه، فكانوا يهابون أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعجبهم أن يأتي رجل من البادية حتى يسأل فيستمعون ويستفيدون، فجاء أحد الأعراب يومًا، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه، واستفاد الصحابة من أجوبته صلى الله عليه وسلم، أما الأعرابي فكان لا يهاب، وليس عنده من الإجلال مثل ما عند الصحابة رضي الله عنهم، فيأتي ويسأل عن كل شيء، وعن جميع ما في نفسه.

قوله: ((أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ، قالَ: صَدَق)): الزعم يطلق ويراد به القول المحقق، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((كَمَا زَعَمَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ)) (٢)، ويطلق ويراد به القول المكذوب، كما في قوله تعالى: } زعم الذين كفروا ألن يُبعثوا}، معناه: قالوا قولًا كذبوا فيه، ويطلق ويراد به القول المشكوك فيه، وهو مراد السائل هنا، فقوله: ((زَعَمَ رَسُولُك) يعني: قال رسولك قولًا نشك فيه.

وفي هذا الحديث: دليل للعلماء القائلين: إن من أدى الفرائض وانتهى عن المحارم دخل الجنة، ولو لم يكن عنده نشاط في عمل النوافل والمستحبات، وهؤلاء هم أصحاب اليمين المقتصدون، الذين يؤدون الفرائض والواجبات، وينتهون عن المحرمات فقط، ولا يزيدون، وهم من أهل الجنة، ولكن أفضل منهم السابقون المقربون، الذين يأتون بالواجبات والفرائض، وعندهم نشاط


(١) أخرجه مسلم (١٢١).
(٢) أخرجه الدارمي (٢٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>