في فعل النوافل والمستحبات، ويتركون المحرمات، كما يتركون المكروهات- أيضًا- ويتركون التوسع في المباحات خشية وقوعهم في المكروهات؛ فهؤلاء يقال لهم: السابقون المقربون.
وهناك صنف ثالث أقل من المقتصدين، وهم الظالمون لأنفسهم، الذين يُقصِّرون في بعض الواجبات، أو يفعلون بعض المحرمات، وهم موحدون مؤمنون، لم يتلبسوا بشرك، لكنهم قصَّروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات، فهم ظالمون لأنفسهم، وكلُّ هؤلاء من أصحاب الجنة، وكلُّهم ممن اصطفاهم الله عز وجل، كما قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
لكنَّ الظالمين لأنفسهم الذين قصَّروا في الواجبات وفعلوا بعض المحرمات، وماتوا عليها من غير توبة، كمن مات على الزنا، أو على السرقة، أو على شرب الخمر، أو على عقوق الوالدين- على خطر من عذاب القبر، ومن الأهوال التي تصيبهم في موقف القيامة، وعلى خطر من دخول النار، وهم تحت المشيئة، قد يُعفى عنهم، وقد يعذبون، قال تعالى: } إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فإذا عُذبوا فإنهم يُعذبون على حسب جرائمهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء، فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم أربع مرات، يحد الله له حدًّا في كل مرة، ثم يشفع بقية الأنبياء، ويشفع الملائكة، ويشفع الشهداء، ويشفع المؤمنون، وتبقى البقية لا تنالهم الشفاعة وهم عصاة الموحدين، ثم تنالهم رحمة رب العالمين، فيقول الحق تبارك وتعالى: ((شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا