في هذه الأحاديث: أن السنة خفيت على ابن مسعود رضي الله عنه في مواضع ثلاثة، وهي:
الموضع الأول: أنه أمرهم أن يصلوا بلا أذان ولا إقامة، اكتفاءً بأذان الجماعة وإقامتهم، والصواب: أن المنفرد لا يكتفي بإقامة الجماعة، بل لا بد أن يقيم الصلاة، أما الأذان فإذا أُذِّن في البلد ففيه خلاف: هل يؤذن إذا فاتته الصلاة، أو لا يؤذن؟ فقيل: يؤذن، وقيل: لا يؤذن، وقيل: إذا لم يسمع من الجماعة فإنه يؤذن، وخفي هذا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فأمرهم أن يصلوا بلا أذان ولا إقامة.
الموضع الثاني: خفيت عليه السنة في أنهم إذا كانوا ثلاثة يقف الإمام أمامهم، والمأمومان خلفه، فوقف هو بينهم، فجعل واحدًا عن يمينه وواحدًا عن شماله.
الموضع الثالث: هو أنه لما ركع طبق بين كفيه ووضعهما بين ركبتيه، وهذا كان أولًا، ثُمَّ نسخ، كما سيأتي في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وفيه: دليل على أن السنة قد تخفى على الإمام والعالم الكبير، كما خفيت السنة على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو حبر من أحبار الصحابة، وعالم كبير، ومع ذلك فقد خفيت عليه السنة في هذه المواضع، والسنة حاكمة على كل أحد، ومن حفظ فهو حجة على من لم يحفظ.
وفيه: عَلَمٌ من أعلام النبوة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه يأتي بعده ناس يؤخرون الصلاة عن وقتها، وأمراء بني أمية كانوا يؤخرونها عن وقتها، ويخنقونها حتى تكاد الشمس أن تغرب.