وقوله:((يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ)) إنما كرره ليهتم معاذ رضي الله عنه بما يقال له وينتبه إليه، ولتستشرف نفسه إلى هذا الأمر العظيم.
وقوله:((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ )) فيه تشويق آخر؛ حيث إنه صلى الله عليه وسلم أخرجه بصيغة السؤال، فلو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر معاذا رضي الله عنه ما أراد إخباره به من أول الأمر ابتداء من غير تَكرار، ولا سؤال ما كان ذلك ليكون له وقعه في السمع والقلب، كما إذا كرره، وأخرجه في صورة سؤال.
فيستفاد من هذا: أن العالم له أن يخرج المسألة العلمية على صيغة سؤال؛ حتى ينبه الطلاب والمتعلمين إليها، ويزداد حرصهم على تعلمها.
وقوله:((فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)): فيه بيان حق الله تعالى على عباده، وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وهذا هو الأمر الذي من أجله خلقهم، قال تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وهو الأمر الذي من أجله بعث الرسل، وأنزل الكتب، قال تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وهذا يفسر الحديث السابق:((مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ))، فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
وقوله:((أَلَا يُعَذِّبَهُمْ)) هذا حق العباد على الله، إذا قاموا بالتوحيد الخالص من الشرك لم يعذبهم.
لكن هناك فرق بين الحقين: فالحق الأول حق إلزام وإيجاب، ليس للعباد الخِيَرة فيه؛ لأنهم خُلِقوا لذلك.