للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا قد أحكم الله عقيدة الإسلام وعباداته وحصرها في الكتاب والسنة، وما أحدث فيها من أمور فهي بدعة ضالة توصل صاحبها إلى النار، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة" اهـ (١).

وأما الأمور الدنيوية فقد أصل لها أصولًا يعرف بها الحلال من الحرام والمأمور به من المنهي عنه حتى تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك.

وأما إذا أخذت القابلية بمعنى قبول ما يستجد من الأمور الدنيوية، فلم يضايق الإسلام على أتباعه، فقد أباح لهم ذلك ما لم يتعارض مع أحكام الكتاب والسنة، ومن ثم قد أصل العلماء قاعدة أصولية مشهورة بقولهم: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد النص في نهيه، والأصل في العبادة الاتباع ليس الابتداع (٢).

وأما قوة الإسلام الفعالة فلم تتأخر إلى أن انتهت مرحلة القابلية أو اكتملت حسب قول أمير علي، بل بدأت قوة الإسلام الفعالة من أول يوم نزل فيه الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم فقد تأثرت به أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (٣)، والقرآن نفسه كان فعالًا مؤثرا، وكان الكفار يخافون من فاعليته، ويُحذّرون من يأتي إلى مكة من سماع القرآن، كما حدث ذلك مع الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه (٤)، وإذا سمع أحدهم فقد وقر ذلك في قلبه كما حدث ذلك لكثير من كفار قريش فأسلموا، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه (٥).


(١) سنن ابن ماجة (٤٦) وكتاب السنة لابن أبي عاصم (٢٥) قال الشيخ الألباني حديث صحيح (كتاب السنة لأبن أبي عاصم ١٧).
(٢) ينظر الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم دار الكتب العلمية بيروت ط /١: ١/ ٥٢.
(٣) ينظر قصة إسلامها في السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٢٢٥.
(٤) ينظر البداية والنهاية لابن كثير دار الفكر بيروت -١٣٩٨ هـ: ١/ ٩٩.
(٥) ينظر تأثره بالقرآن وإسلامه في سيرة ابن هشام ١/ ٢٩٤ وما بعدها.