للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما إقبال فقد قال: إن الإيمان بالقضاء والقدر كان من نتيجة بعض الأفكار الفلسفية والاتجاهات السياسية، ثم اتهم حكام بني أمية بأنهم كانوا جبريين واحتجوا بالقدر، فركبوا هذا المركب لبيان تبرير جرائمهم.

قلت هذا بعينه ما تفوه به أعداء الإسلام من المستشرقين، فقال جولدتسيهر: "فالحركة القدرية في عصر الدولة الأموية كانت إذن المرحلة الأولى في طريق زلزلة المذهب السني في العالم الإسلامي" اهـ (١).

وقال أيضا: "وكما أن هذه الفكرة أو هذا المذهب استخدم لتبرير الأسرة الأموية على العموم، قد استخدم أيضا بطيبة خاطر ورضى في تهدئة الشعب حينما كان يبتلى أو يغرى بأن يرى في أعمال الحكام أو العمال الظلم والطغيان، فعقلية الرعية الهادئة المطيعة يجب أن تعتبر أمير المؤمنين وما يجيء عنه من آلامٍ قدرا من الله، فليس يمكن لأحد أن يتهم ما يصدر عنه" اهـ (٢).

ثم احتج جولدتسيهر على ما تفوه به من المزاعم بقصة مفتراة، فقال: "حينما كان من عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي الذي اضطلع بكفاح مؤلم لتقوية سلطانه أن اجتذب إلى قصره أحد نظرائه وخصومه وذبحه باستحسان صاحب مشورته، وأمر برمي رأسه إلى الجمهور المخلصين له، الذين كانوا ينتظرون أمام القصر عودته، كما أمر بإعلامهم أن أمير المؤمنين قد قتل صاحبكم بما كان من القضاء السابق والأمر النافذ" اهـ (٣).

ففي العبارات السابقة نرى توافقا كبيرا بين آراء المستشرقين وأقوال المستغربين، وليست الغرابة من أن نسمع مثل هذه الاتهامات من أعداء الإسلام، ولكن الغرابة كل الغرابة عند ما نجد هذا الكلام عند شاعر إسلامي مثل محمد إقبال الذي يضرب به المثل في الأدب الإسلامي لعاطفة دينية صادقة.


(١) العقيدة والشريعة لجولدتسيهر: ص: ٩٩.
(٢) المرجع السابق: ص: ٩٨.
(٣) المرجع السابق: الصفحة نفسها.