للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "القدر نظام التوحيد فمن وحّد الله وآمن بالقدر وتم توحيده ومن وحّد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده" اهـ (١).

وهناك نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تدل على مقادير الخلق ومراتب الإيمان بالقدر والقضاء الأربع: من العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وقد ذكرنا بعضا منها في تمهيد هذا المبحث.

هذا إذا أراد إقبال والسيد في عباراتهما السابقة الإيمان بالقدر في معناه الحقيقي.

وأما إن أرادا بها الاحتجاج بالقدر عند ارتكاب المعاصي فهما بهذا القول قد تأثرا بأقوال المستشرقين، وتجاهلا عن تاريخ نشأة فكرة الاحتجاج بالقدر من ناحية، ومن ناحية أخرى اتهم إقبال بني أمية بأنهم كانوا جبريين وكانوا يحتجون بالقدر.

لأن فكرة الاحتجاج بالقدر من الأمور التي صاحبت الإسلام منذ نشأته، فأول من خاصم في القدر هم كفار قريش كما سبق آنفا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكانوا يحتجون بالقدر، ويتعللون بمشيئة الله، وينسبون ما وقع منهم من كفر وشرك وعصيان إلى إرادة الله، وذلك خروجا عن مسؤولية ما اقترفوا من شرك وإثم.

قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (٢)، فأجابهم وردّ عليهم شبهتهم قائلا: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} (٣).


(١) مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٨/ ٢٥٨.
(٢) سورة الأنعام: ١٤٨.
(٣) سورة الأنعام: ١٤٨.