للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خامسا: أما قول السيد: "فإن كان المقصود من خلق عيسى بلا أب إظهار قدرة الله الكاملة فقد خلق الله أنواعا من الحيوانات بدون توالد وتناسل بل خُلق الإنسان نفسه وجميع الحيوانات في البداية بدون أب وأم .... " اهـ (١).

فيُرد على هذا: أن هذا الدليل أضعف من بيت العنكبوت، لأن الله الذي بدأ خلْق كل حيوان بدون تناسل وتوالد قادر على أن يعكس الأمر، وكذلك أراد أن يبدع قدرته على خلْق الإنسان بدون أب كما خلقه بدون أب وأم.

قال ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٢): كلام حق فإنه سبحانه خلق هذا النوع البشري على الأقسام الممكنة ليبين عموم قدرته، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجته حواء من غير ذكر بلا أنثى، كما قال: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (٣) وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر، وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى" اهـ (٤).

سادسا: أما قوله: "إذا كان المقصود إظهار قدرته الكاملة فلا بد أن يكون هذا الأمر أمرا واضحا جليا حيث لا يشك أحد، وخلق عيسى بدون أب كان أمرا مخفيا ... " اهـ (٥). فنرد على هذا الزعم بقولنا: إن مريم الصديقة كانت معروفة لدى الناس، فكانوا يعرفون عفتها وإحصانها، وليس لها زوج، ومثل هذه البتول عندما أتت بولد، فلا يكون إلّا آية من الله، لقد أخبرنا الله تعالى بصدق مريم وعفتها وإحصانها لفرجها أي أنها لم تزن ولم ترتكب الفاحشة، ولما جاءت بالولد تعجب اليهود ورموها بالزنا، فبرّأها الله بأن أنطق ولدها في المهد ليشهد لأمه أولًا ولنفسه ثانيا.


(١) تفسير القرآن للسيد: ٢/ ١٥.
(٢) سورة آل عمران: ٥٩.
(٣) سورة النساء: ١.
(٤) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، تقديم: علي السيد صبح المدني: ٢/ ٢٩٤.
(٥) تفسير القرآن للسيد: ٢/ ١٥.