للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشذوذ والعلة يكونان في السند كما يكونان في المتن، فقد يصح إسناد حديث ويكون في متنه علة قادحة تقدح في صحته وهكذا الشذوذ، ولذا لم تكن دراستهم قاصرة على الأسانيد وإنما بحثوا في علل المتون وشذوذها، ومن ذلك كتب المصطلح وكتب العلل وهو كثيرة.

وهناك كثير من علوم الحديث لم يكتف فيها بدراسة الإسناد فقط، بل يدرس الإسناد والمتن جميعًا، فمن ذلك: الحديث المقلوب والمضطرب، والدرج والمعلل والمصحَّف والموضوع وزيادة الثقة.

كما أنشئت علوم كثيرة تتعلق بدراسة المتن خاصة من ذلك غريب الحديث، أسباب وروده، ناسخه ومنسوخه، مشكله، ومحكمه (١).

ومما يدل على أن المحدثين اجتهدوا في نقد المتن -كما اهتموا بنقد السند- ما وضعوه من علامات وضوابط يعرف بها وضع الحديث لمجرد الرجوع إلى متنه ومن ذلك: ركاكة اللفظ في المروي، وفساد المعنى، ومخالفة الحديث لنص القرآن أو السنة المتواترة، وما دل على تواطؤ الصحابة على كتمان أمر وعدم نقله، وما خالف الحقائق التاريخية التي جرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. واختبر بقرائن دلت على بطلانه، ما وافق مذهب الراوي وهو غالٍ فِى تعصبه، وما كان عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله، وما اشتمل على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم على الأمر الصغير أو وعيد عظيم على فعل يسير، هذه وغيرها من الضوابط قد جمعها الشيخ الأمين الصادق الأمين من كتب علوم الحديث (٢).

ولما سئل الإمام ابن القيم رحمه الله هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟ قال: "فهذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة،


(١) ينظر منهج النقد في علوم الحديث، لنور الدين العِتْر، دار الفكر ٣١٠ - ٣١٩.
(٢) موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية للأمين الصادق: ٢/ ١٧٤ - ١٧٥.