للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثًا: لا ينبغي لمسلم أن يجعل معتقده تابعًا لمادة ثبتت بالعلم الحديث بل العكس هو الصحيح، والدين لا بد أن يأخذ مقامه الأول في ترتيب المدلولات، وهذه حقيقة قد أقرّها إقبال في موضع آخر فقال: "هل يختلف شعور الحقيقة الحاصلة بالحواس المدركة عن نظريته التي أقامها الدين تجاه الحقيقة المطلقة؟ وهل يلزم أن يؤدي هذا الشعور الحاصل إلى نظرية تنافي نظرية الدين؟ وهل العلوم الطبيعية في الواقع مقهورة لتندرج تحت المادة؟ ومما لا شك فيه أن العلم الحاصل عن نظريات العلم الحديث يُعتمد عليه إذ أننا نستطيع أن نصدقه ونثق به، بل نستخدمه في تسخير حوادث الطبيعة، ولكن مما ينبغي أن نعلم أن المعارف الحديثة ليست عندها نظرية منظمة توصل الإنسان إلى الحقيقة إنما هي أجزاء متناثرة تصورية لا انسجام بينها، لأن موضوع العلم الحديث "مادة وحياة ونفس" في العلاقة بين هذه الأشياء إنما هي قطع مبعثرة لا يرتبط بعضها ببعض، وفي رائيي هي كالغراب والحدأة تكالبت على الجثة الميتة، وأخذ كل منها قطعة .... وأما الدين لما أنه يطالب الحقيقة بكاملها فلا بد من أن يأخذ مقامه المركزي في ترتيب المدلولات التي حصلت بالشعور والإدراك" اهـ (١).

بعد أن أدرك إقبال حقيقة الدين الثابتة وحقيقة علم الحديث الزائفة فما الذي دفعه إلى مركب التأويل والتزييف لما ثبت بالشرع من عالم الغيب؟ إن هو إلا منهجه الغربي الذي اختاره لدراسة الإسلام، وظن أن الغاية القصوى هو الاعتراف بعالم الغيب أيًا كان وصفه! !

لم يكتف إقبال بالاعتراف بعالم الغيب بل شنّ هجوما على الماديين الذين ينكرون عالم الغيب فقال: "إن الماديين افترضوا بدون تحقيق وتفحيص أصلًا يقول إن العلم علم إذا أدركه الحواس الخارجية وإذا تسلمنا صحة هذا القول يلزمنا الإنكار لذواتنا وأنفسنا ... " اهـ (٢).


(١) تشكيل جديد لإقبال: ٦٣ - ٦٤.
(٢) المرجع السابق ص: ٢٨.