(قد بين عاصم في روايته مقدار هذا اليسير، حيث قال فيها: "إنما قنت بعد الركوع شهرا"، وفي صحيح ابن خزيمة من وجه آخر عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم، وكأنه محمول على ما بعد الركوع، بناء على أن المراد بالحصر في قوله "إنما قنت شهرا"، أي متواليا). الفتح (٢/ ٤٩٠ ح: ١٠٠١). ومن مذهب البخاري أن القنوت يكون قبل الركوع وبعده، لذلك ترجم للباب السابع، من كتاب الوتر بقوله: (باب القنوت قبل الركوع، وبعده). ولما أخرج البخاري الحديث من طريق عاصم - الذي فيه أن عاصما سأل أنس بن مالك عن القنوت فقال: كان الفنوت، قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله. قال: فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت: بعد الركوع. فقال: كذب، إنما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرا .. قال ابن حجر في شرح قوله (كذب): أي أخطأ، وهو لغة الحجاز، يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد، وهو الخطأ، وقد ذهب إلى أنها تحتمل معان؛ منها: الإحتمال الأول: أن القنوت قبل الركوع كثير، وبعده يسير. الإحتمال الثاني: أنه لا قنوت قبله أصلا، وإنما القنوت دائمًا بعد الركوع. ثم رجح الحافظ الإحتمال الأول بما أخرجه ابن ماجة [ح: ١١٨٣] من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت، فقال: قبل الركوع وبعده، قال ابن حجر: إسناده قوي. وقال: (وقد وافق عاصما على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب، عن أنس .. بلفظ سأل رجل أنسا عن القنوت بعد الركوع، أو عند الفراغ من القراءة. قال: لا، بل عند الفراغ من القراءة). وكأن الحافظ ابن حجر استقرأ روايات أنس لهذا الحديث فخلص إلى القول: (ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك: أن القنوت للحاجة بعد الركوع، لا خلاف عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح). الفتح ٢/ ٤٩٠ .. رواية عبد العزيز بن صهيب أخرجها البخاري (كتاب المغازي: الفتح ٧/ ٣٨٥ ح: ٤٠٨٨).