وتلفي بالقبول، وحق له ذلك لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه واقتصاده وجودة اختياره، فلقد أحسن فيه ما شاء، وأبدع فوق ما أراد، وأربى على الغاية وزاد، ودل منه على حفظ وإتقان، وعلم وفهم واطلاع واتساع، فلذلك لا تجد أحدا ينتمي إلى نوع من أنواع العلوم الشرعية، إلا والكتاب المذكور عنده، أو نفسه متعلقة به، قد حداهم حسن تأليفه إلى الاكباب عليه وإيثاره، وخاصة من لا يشارك في طلبه بشيء من النظر في علم الحديث من فقهاء ومتكلمين وأصوليين، فإنهم الذين قد قنعوا به، ولم يبتغوا سواه، حتى لربما جر عليهم جهالات -ضرهم بها، كما نفع غيرهم ممن ينظر في هذا العلم- منها:
اعتقاد أحدهم أنه لو نظر في كتب الحديث نظر أهله، فرواها وتفقد أسانيدها، وتعرف أحوال رواتها فعلم بذلك صحة الصحيح، وسقم السقيم، وحسن الحسن، فإنها كثير مما احتوى عليه الكتاب المذكور من مشتت الأحاديث التي لا يحتوي عليها إلا ما يتعذر على الأكثر من الناس جمعه، وهذا ممن اعتقده غلط، بل إتقان كتاب من كتب الحديث وتعرفه كما يجب، يحصل به أكثر ما يحصل الكتاب المذكور من صناعة النقل.
فإنه ما من حديث يبحث عنه حق البحث، إلا ويجتمع له من أطرافه، وضم ما في معناه إليه، والتنبه إلى ما يعارضه في جميع ما يقتضيه، أو بعضه، أو يعاضده ومعرفة أحوال نقلته وتواريخهم ما يفتح له في آلاف من الأحاديث.
وكذلك يجب عليه أيضا اعتقاد أن ما ذكره من عند البخاري مثلا لابد فيه من البخاري، وما علم أنه ربما يكون عند جميعهم، وما ذكره من عند أبي داود ربما ليس هو عند الترمذي أو النسائي ولذلك ذكره من عند أبي داود، وما علم أنه ربما لم يخل منه كتاب.
وكذلك أيضا يجر عليهم تحصيل الأحاديث منه غاية التشتت، بحيث يتعرض للغلط في نسبتها إلى مواضعها بأدنى غيبة عنها. ولذلك ما ترى المشتغلين به الآخذين أنفسهم بحفظه ينسبون إلى مسلم ما ليس عنده، وإلى غيره ما لم