وربما شعر أحدهم بأنه بذلك مدلس كتدليس من يروي ما لم يسمع عمن قد روى عنه من حيث يوهم قوله: ذكر مسلم أو البخاري كذا، أنه قد رأى ذلك في موضعه ونقله من حيث ذكر، فيتحرج من ذلك أحدهم فيحوجه ذلك إلى أن يقول: ذكره عبد الحق، فحصل من ذلك فى مثل ما يحصل فيه من يذكر من النحو مسألة هي في كتاب سيبويه، فيقول: ذكرها المهدوي فى التحصيل، أو مكي في الهداية، أو يذكر مسألة من الفقه هي في أمهات كتبه، فينسبها إلى متأخري الناقلين منها، بخلاف ما يتحصل الأمر عليه في نفس قارئ كتاب مسلم وأبي داود مثلا، فإنه يعلم الأبواب مرتبة مصنفة، وأطرافها من غيره، وما عليها من زيادات أو معارضات أو معاضدات مرتبة عليها في خاطره، بحيث لا يختل، ولا يتثبج إلا في الندرة.
والذي يحصل من علم صحة هذا الذي وصفناه للمزاول أكثر وأبين مما وصفنا منه.
فالكتاب المذكور من حيث حسنه وكثرةُ ما فيه، قد جر الإعراضَ عن النظر الصحيح والترتيب الأول من تحصيل الشيء من معدنه، وأخذه من حيث أخذه هو وغيره، هذا على تقدير سلامته من اختلال نقل، أو إغفال أو خطأ في نظر أهل هذا الشأن.
فأما والأمر على هذا فقد يجب أن يكون نظر من يقرِؤه وبحثه أكثر وأكبر من بحث من يقرأ أصلا من الأصول، لا كما يصنعه كثير ممن أكب عليه من اعتمادهم على ما نقل، وتقليدهم إياه فيما رأى، وذهب إليه من تصحيح أو تسقيم، وقد يعمم بعضهم هذه القضية في جميع نظر المحدث ويقول: إنه كله تقليد.