(هـ) أن الله تعالى نصب على هذه المطالب أدلة قاطعة، ومكن العقلاء من معرفتها، فلا يخرجوا عن العهدة إلا: بالعلم، ترك العمل به في حق المقلد، لمطابقة اعتقاده، فيبقى فيما عداه على أصله.
فإن قلت: النصب والتمكين ممنوعان، فإن من نظر في أدلتها وأنصف لم يجد فيها قاطعا، ومخالفة معاند مكابر. ثم لا نسلم أنه يقتضي أن لا يخرجوا عن العهدة إلا: بالعلم، وهذا فإنه لو أمكن حصوله فلا يحصل إلا: لآحاد الناس بنظر دقيق، وفكر صعب متعب.
وكونه تعالى رحيما رؤوفا، والشريعة سمحة سهلة - ينفي تكليف الكل به، و - حينئذ - نقول: إنهم أمروا بما غلب على ظنهم أنه صواب طابق أو لا، فالآتي به معذور.
ويدل عليه: أن الرسول كان يقبل إيمان كل من أتاه بكلمتي الشهادة، ويعلم قطعا أن الكل ما كانوا يعرفون براهين ما بمعرفته حصة الإيمان وشرائطها. ولأن حصول العلم منها لو أمكن فإنه في غاية الصعوبة، ولهذا قل الموقنون، فتكليف الكل به - مع أن فيهم من ليس له صلاحية تعقل أدنى العلوم - تكليف ما لا يطاق، وهو ممتنع، وإن جوز فليس هذا منه عند من يقول به.
قلت:
الدليل عليه أن العلم بأن للمحدث محدثا ضروري وكونه محدثا قد يكون محسوسا، وعلم بطلان الدور والتسلسل بقاطع، و - حينئذ - يعلم قطعا بأن له محدثا قديما، ووقوع الاختلاف في الشيء لا يقدح في كونه قطعيا، كالالختلاف في المحسات والبديهيات وكذلك العم بكون المخالف ليس مكابرا، الحتمال ان ذلك لشبهة قوية وهي لا تقدح في قطع القاطع.
وعن (ب) أنه إنما يلزم لو حصر الخروج عن العهدة على العلم ونحن لا نقول به، بل نقول: يخرج به أو بالتقليد الجازم المطابق، وهو سهل، وبه جواب السند، ولو كانوا مأمورين بالظن الغالب - كيف ما كان - لما توجه الذم إليهم مطلقا، كما سبق تقريره.