موسى بالجواب لما تفرق أو اجتمع فى خاطره من تلك التساؤلات:«قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» .
فالأسئلة التي تواردت على خاطر فرعون كثيرة، كان منها وأهمها: ماذا يريد موسى بهذه الدعوى التي يدعيها؟ وما شأن فرعون به وبرسالته؟ ليكن رسولا من عند الله أو من عند غير الله.. فما لفرعون وهذا الذي يقتحم عليه مجلسه، ويلقى إليه بمثل هذه المقولات؟
وجواب موسى على هذه الأسئلة:«قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ» وكان الجواب المنتظر هو: أرسل معى بنى إسرائيل..
فهذه هى رسالة ربه، المطلوب منه أن يبلغها فرعون.. فإن أبى فرعون أن أن يصدقه، عرض عليه من آيات ربه ما يقيم الدليل على صدقه، ويؤكده..
ولكن جبروت فرعون وتسلطه يحدّثان بأنه لن يقبل من موسى قولا، ولن يسلّم له بشىء مما يقول، بل سيجبهه بالزجر، ويتوعده بالعقاب، ويرميه بالكذب.. ولهذا كان من الحكمة- لكى يطفىء بعضا من غضب فرعون وثورته عليه- أن يلقاه أولا بالدليل الذي يسند دعواه، ويدل على صدقه، وأن يدير تفكيره- ولو مؤقتا- إلى تلك للمعجزات التي يحملها موسى بين يديه من ربّه، وأن يثير فيه غريزة حب التطلع إلى هذا المجهول الذي يخفيه موسى عنه..
ولهذا كان ردّ فرعون:
«إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» .. ولم يعرض فرعون لما طلبه موسى فى شأن بنى إسرائيل، وإرسالهم معه، بعد إطلاقهم من يده.. وهو المطلب الأول، بل هو كل ما طلب من فرعون فى هذا الموقف. وإنّما كان همّه كله هو الاطلاع على ما عند موسى من آيات!