ولم يمهل موسى فرعون، بل طلع عليه فجأة بما ملأ عليه وجوده كله، هولا، وفزعا ودهشا!! لقد كان فرعون ينتظر من موسى شيئا من الحوار والجدل، والأخذ والردّ، فيما سيعرضه عليه من معجزات.. كأن يستحضرها أولا، ويتخير لها الزمان والمكان ثانيا.. فما كان مع موسى شىء يتوقع أن تخرج منه معجزة، وإلا فأين أدوات هذه المعجزة؟ وأين أجهزتها ومعداتها والأيدى التي تعمل فيها؟ .. ولكن هكذا كان تدبير الحكيم العليم وتقديره! «فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ» .. هكذا تقع المعجزة، وتكون المفاجأة!! العصا التي يمسكها موسى بيده.. يلقى بها إلى الأرض فإذا هى ثعبان مبين..
يفغر فاه حتى ليكاد يبتلع فرعون ومن حوله! ويد موسى التي أدخلها فى جيبه (أي فى فتحة قميصه على صدره) يخرجها، فإذا هي بيضاء من غير سوء، لم يتغير شىء من خلقها، إلا أنها ترسل ضوءا مشرقا كضوء الكوكب الدرىّ فى فحمة الليل..
لقد ألقى موسى بكل ما معه دفعة واحدة، حتى يضرب فرعون الضربة القاضية، التي لا تدع له فرصة يلتقط فيها أنفاسه.. وواحدة من هاتين الضربتين تكفى لكى يستسلم لها كل جبار عنيد.. ولكن فرعون كان أكثر من جبار عنيد..!
ولا يذكر القرآن هنا ما وقع فى نفس فرعون من فزع، وذعر، بل يدع ذلك لتصورات الناس، يأخذ كل إنسان ما يقدر عليه الخيال من الصور المرعبة المفزعة، لهذا الهول الذي وقع..
وإذ يفيق القوم من هذا الهول العظيم، بعد أن يدعو موسى الثعبان إليه