لم يقع لأذنه كلام مثله، فى جلاله، وبهائه، وامتلاكه زمام المشاعر، واستيلائه على مجامع القلوب.
وقام الوليد متخاذلا، منكسرا ... لم يقل شيئا..
ومضى يجرّ شخصه جرّا إلى القوم، الذين كانوا ينظرون إليه من بعيد، ويرقبون ما يقع بينه وبين «محمد» ..
وما كادوا يلمحونه، وقد اقترب منهم، حتى رأوا منه إنسانا غير هذا الذي خرج من بينهم آنفا.. لقد خرج متعاليا شامخا.. ثم ها هو ذا يعود إليهم حطام رجل، أو شبح إنسان.. وهنا يقول قائلهم:«لقد جاءكم الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به!» .
وأقبل الوليد على القوم، وكلهم أذن له، وعين على شفتيه، انتظارا لما يقول!.
وجلس «الوليد» فى مكانه الذي أفسحه له القوم، وهو شارد، مذهول، لا يدرى من هو؟ ولا أين هو؟ ولا مع من هو؟ حتى دعاه داعيهم أن يأتيهم بما عنده من خبر محمد، وماذا وقع بينهما من حديث..
وهمهم «الوليد» ولم ينطق، والأصوات من حوله تهتف به: ما شأنك؟
وماذا عندك؟ ..
وصحا «الوليد» ودار بعينيه يتفرس وجوه القوم، وكأنه يراهم لأول مرة، وإذا وجوه منكرة، تطل من شخوص أعماها الجهل، واستولى عليها الضلال، وركبها الشيطان.. وود «الوليد» لو أن به قوّة.. إذن للطم هذه الوجوه المنكرة، وحطّم تلك الرءوس الفارغة.. ولكن أنّى له القوّة، وقد تهدّم بناؤه المشمخرّ، وهربت عزيمته المتوثبة؟.
ولم يكن بد أن يتكلم «الوليد» ليزيح عن نفسه هذا الهمّ الذي يعالجه،