للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولينفث عن صدره هذه المشاعر المضطربة، فقال: «وماذا أقول؟ والله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منّى، لا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا.. وو الله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى» .

وصعق القوم لما سمعوا.. وهالهم أن ينفرط عقدهم، ويتبدّد جمعهم، إذا خرج الوليد من بينهم، ولم يأخذ مكانه فى المعركة التي نصبوها لمحمد ودعوته..

وقد رأوا أن يلاينوا «الوليد» ويلاطفوه، حتى لا يمضى فى طريق غير طريقهم، بعد أن سحره محمد بقرآنه، كما يقولون! فمن قائل لقد سحرك محمد! ومن قائل: لقد أخطأنا إذ جعلناه ينفرد بك، وينفث سمومه فيك! ومن قائل.. ومن قائل ... والوليد صامت واجم لا ينطق بكلمة ...

وخشى القوم أن ينفضّ مجلسهم على تلك الحال، وأن يسمع الناس ما حدث، وأن تتناقل القبائل ما قال الوليد فى محمد.. وفى ذلك بلاء لا تحتمله قريش، ولا تصبر عليه ... فأبوا أن ينحلّ مجلس القوم حتى يقول الوليد فى محمد قولا ترضاه قريش، ويشيع أمره فى الناس، إذ يكون قوله الذي يقوله هنا فى محمد، قد جاء عن احتكاك به، واختبار له! فقال الوليد: تزعمون أن محمدا «مجنون» فهل رأيتموه يحمق؟ وتقولون إنه كاهن.. فهل رأيتموه قط يتكّهن؟ وتزعمون أنه شاعر.. فهل رأيتموه يتعاطى الشعر؟ وتزعمون أنه كذاب.. فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟

فقالوا فى كل ذلك: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر؟ أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله، ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن سحرة بابل!!.

<<  <  ج: ص:  >  >>