للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك الحركة النفسية من شأنها أن تفعل فعلها فى تفكير المسلمين، وفى سلوكهم، فتصرفهم صرفا حادا عن كل سبب من أسباب القوة، وبذلك يخلو الطريق للعدوّ المتربص بالإسلام والمسلمين، فتمكنه الفرصة من التسلط عليهم، والاستبداد بأوطانهم وأرزاقهم.. الأمر الذي وقع على أبشع صورة وأشنعها، إذ وقعت أوطان المسلمين جميعها فريسة للاستعمار، الذي سلط عليها سيف القوة، فسلبها كل مقومات حياتها المادية والخلقية، وكاد يسلبها حياتها الروحية، لولا وثاقة هذا الدين، الذي يجرى فى مشاعر أهله، جريان الدم فى العروق.

والحق أن هذه الدعاوى الباطلة التي يدعيها المدّعون على الإسلام، وأنه دين بداوة وشريعة غاب، يتعامل مع الناس بالظّفر والناب- هذه الدعاوى لا يقف أمرها وخطرها عند حدّ تشكيك المسلمين فى الإسلام وانحلال الرابطة التي تربطهم به أو توهينها، أو فى صرف غير المسلمين عن الالتفات إلى الإسلام، بإثارة هذا الجوّ المريب حوله، حتى لا ينظر فيه أولئك الذين خلت نفوسهم من الدّين، من أهل أوربا وأمريكا، الذين اصطدمت معارفهم العلمية بقضايا الدّين الذي ورثوه ميراثا عن آبائهم وأجدادهم، والذي استبان لهم منه بعد أن عرضوه على أضواء العلم الحديث أنه لا يلتقى مع عقل، ولا يستقيم على منطق، فهجروه، وزهدوا فيه، وأصبحوا على غير دين، الأمر الذي لا يبصرون طويلا عليه، إذ لا بد أن يطلبوا دينا، تعيش فيه مشاعرهم، وتتغذى منه أرواحهم، حيث لا يمكن أن يعيش إنسان- أي إنسان- من غير دين..

وليست موجات الإلحاد التي تغزو أوربا وأمريكا الآن إلا عرضا طارئا، جاء نتيجة لازمة لما كشف عنه العقل الحديث، من مفارقات بعيدة، بين الدّين الذي كان فى أيديهم، وبين منطق العقل، وواقع الحياة..

إن أهل أوربا وأمريكا ينشدون اليوم دينا، يملأ هذا الفراغ الروحي

<<  <  ج: ص:  >  >>