جمعا إذا اقترن بالسّمع- وقد جاء السّمع مفردا مقترنا بالبصر فى قوله تعالى:«إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا»(٣٦: الإسراء) والسرّ فى هذا- والله أعلم- هو أن بين السمع والبصر اختلافا من وجوه:
فأولا: السمع طريق إلى شىء واحد، هو الصوت.. والصوت، وإن اختلف قوة وضعفا، ورقّة وخشونة.. فهو- على أي حال- شىء واحد، فى النوع، وإن اختلف فى الدرجة.
أما البصر فهو طريق إلى هذا الكون كلّه، وما فيه من عوالم وأكوان، وما فى كل عالم وكون، من ناطق وصامت، ومتحرك وثابت، وجامد وسائل.. إلى غير ذلك مما فى العالم الأرضى من كائنات، وما فى السماء من شمس، وقمر، ونجوم، وكواكب ... وكلها مختلفة متغايرة.
فالبصر، بالقياس إلى السّمع، هو أبصار.. يتعامل مع ما لا يحصى من الأشياء، حتى إنه فى النظرة الواحدة يفتح عشرات القوى المبصرة، فتجىء إليه بأكثر من منظور! وثانيا: السمع، لا يستطيع أن يضبط أكثر من صوت واحد، فى حال واحدة.. وإلا اختلطت عليه الأصوات، وذاب بعضها فى بعض، وعسر على الإدراك، عزلها، وتمييزها.
والبصر.. ينقل كثيرا من المرئيات فى حال واحدة، ويحتفظ لكل مرئى بصورته، دون أن تختلط بغيرها.. وينقلها إلى الإدراك منفصلة، كما ينقلها إليه متصلة.
فهو- من هذه الجهة- أكثر من حاسّة.. إنه أبصار، وليس بصرا واحدا..