وثالثا: السّمع مقيّد بوجود الصوت، الذي يتعامل معه.. فإذا لم يكن هناك صوت، تعطّل السّمع، وخيم عليه صمت رهيب!.
أما البصر، فهو عامل دائما، فحيثما فتح الإنسان بصره وجد ما ينقله إليه بصره من أشياء لا تكاد تحصى.. فى أي مكان، وفى أي زمان.
فالبصر بالقياس إلى السمع هنا، هو أبصار كثيرة.. لا عدّ لها ولا حصر.
ورابعا: وأكثر من هذا كلّه- وهو فى النظم القرآنى بالمحلّ الأول- هو أن البصر يستطيع أن يمسك بالأشياء، ويقف ما شاء له الوقوف إزاءها، ويعاود النظر إليها، مرة ومرة ومرات.. ويتفحصها من جميع وجوهها..
والسمع بمعزل عن هذا، إذ لا يستطيع أن يمسك بالصوت أكثر من اللمسة العابرة التي تمرّ به.. وفى هذا يقول الله:«فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ»(٣- ٤: الملك) .
ومن هنا، كان البصر، أبصارا، فى معاودته النظر إلى الأشياء، وفى تفحصها، والنظر إليها من جميع جهاتها، من قرب ومن بعد..
ومن هنا أيضا كان التفات القرآن الكريم إلى النظر، وتوجيهه إلى ملكوت السموات والأرض، وعقد صلة وثيقة بينه وبين القلب..
يقول تبارك وتعالى:«قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»(١٠١ يونس) ويقول سبحانه: «انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ»(٩٩: