وكما دعا القرآن إلى النظر فى المحسوسات، وأخذ العبرة والعظة منها، دعا إلى النظر فى المعنويات، وتدبّرها، ووصل العقل والقلب بها..
يقول سبحانه وتعالى:«انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(٧٥: المائدة) ويقول جلّ شأنه: «انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً»(٥٠: النساء) ويقول سبحانه: «انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا»(٤٨: الإسراء) ومن إعجاز القرآن فى هذا أيضا، أنه تحدّث عن حاسّة السّمع باعتبارين:
باعتبار أنها جارحة من الجوارح، وجهاز من الأجهزة، وظيفتها نقل الصوت، شأنها فى ذلك عند الإنسان شأنها عند الحيوان.. فهى «أذن» وهى بتعدد أصحابها «آذان» ..
وهذا ما نراه فى قوله تعالى، فى تسفيه أحلام المشركين، وإنزالهم منازل الحيوان:«أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها؟ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها؟. أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها؟ أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها؟»(١٩٥: الأعراف) .. فهذه كلها جوارح حيوانية، ركّبت فى كائنات حيوانية، لم ترتفع بعد إلى مستوى الإنسانية.. فالأذن عندهم أذن، وليست سمعا! أما إذا تحدث القرآن عن الآذان باعتبار أنها جهاز متصل بالقلب والإدراك.. فهى «سمع» وهى بتعدد أصحابها «سمع» أيضا..
أما البصر، فقد تحدّث القرآن عنه بالاعتبارين اللذين تحدث بهما عن السّمع.. فهو كعضو من أعضاء الجسم «عين، وعيون» .. وهو كجهاز متصل بالقلب، والعقل.. «بصر» و «أبصار» .
ثم تحدث القرآن عن البصر باعتبار ثالث، وهو أنه «بصيرة» .. أي ملكة تتخلّق من النظر المتأمّل، المتفحص.. «فالبصيرة» بنت «البصر» ..