للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يكون الضمير فى أفواههم عائدا إلى أولئك الأقوام، وأنهم حين دعاهم الرسل إلى الإيمان بالله، وضعوا أيديهم على أفواههم، وردّوا عليهم قائلين: إنا كفرنا بما أرسلتم به.. وذلك إشارة إلى أنهم رفعوا أصواتهم بهذا المنكر الذي استقبلوا به دعوة الرسل، ولم يقولوا ما قالوه فى شىء من الأدب والرفق. فإن وضع اليد على الفم وترديد الصوت من خلالها، من شأنه أن يعطى الصوت قوة ووضوحا.

ويجوز أن يكون ردّ أيديهم إلى أفواههم كناية عن أنهم استقبلوا دعوة الرسل لهم إلى الإيمان بالله، بالصمت المطبق، استخفافا بهم، واستنكافا من الحديث معهم، كما فعل ابن مسعود- شيخ ثقيف وسيدها- حين جاء النبىّ صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف يدعوهم إلى الله، بعد أن يئس من قومه فى مكة، فقال له ابن مسعود: «والله لا أكلمك أبدا.. لئن كنت رسول الله كما تقول، فأنت أعظم من أن أكلمك، وإن كنت كاذبا على الله، فما أنت أهل لأن أرد عليك..»

وعلى هذا التأويل، يكون قولهم: «إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ» هو مما نطق به لسان الحال، وأنبأ عنهم صمتهم، وتجاهلهم لما يدعوهم إليه رسلهم، وعدّهم ذلك لغوا من القول، لا يستمع إليه، ولا يردّ على قائله! - «وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» - أي أنهم إذا حالوا بين الرسل وبين الكلام، تكلموا هم بالباطل من القول، والمنكر من الكلام، وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به، وإنّا لفى شك يبعث الريب والاتهام لكم أيها الرسل، فيما تدعوننا إليه.

قوله تعالى: «قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» - أي إذا كنتم

<<  <  ج: ص:  >  >>