الغيب، المحجب بنور الله، لا يراه إلا بنور من هذا النور.. «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(٤٠: النور) .
وأما موسى.. فيأخذ طريقه القائم على مستوى الحياة، وما ينكشف له منها، حسب تقديره، وتفكيره، كإنسان ذى بصيرة مشرقة- إن انكشف له شىء لم ينكشف لغيره، فقد غابت عنه أشياء، وأشياء! وهنا إشارة لا بد منها، إلى هذا الاختلاف الذي جاء عليه النظم فى قول العبد الصالح لموسى، حين وصل الأمر بينهما مداه، فقال له:«سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» ثم فى قوله له، بعد أن أنبأه بما لم يستطع عليه صبرا، إذ قال:«ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» .
فهناك قولتان تبدوان وكأنهما على سواء:«تَسْتَطِعْ» و «تسطع» وهما كذلك فى غير القرآن الكريم.. ولكنهما فى كلام الله ليستا على سواء، فى الميزان، الذي جاء عليه النظم القرآنى، وإعجازه القاهر المتحدّى! فكلمة «تستطع» فيها شدة، وقسوة، ومصارحة مكشوفة، بالعجز عن الاستطاعة.. وقد قالها العبد الصالح هكذا صريحة مكشوفة، ليقطع بها الرحلة مع تلميذه..
ولكن حين جلس إلى تلميذه مجلس المعلّم، الذي يكشف لتلميذه، معالم الطريق المظلم أو المشرق، الذي كان يطوّف به فيه- جاءه بهذه الكلمة «تسطع» وقد اقتطع منها هذا المقطع الحادّ، فإذا هى كلمة وديعة رقيقة فيها هروب من المواجهة الصريحة المتحدّية، وعليها مسحة من الحياء والخفر! ومما ينبغى الالتفات إليه أيضا، هذا الاختلاف فى موقف العبد الصالح من