عنه، وأراه أن هذا العيب هو الذي فوّت على الملك فرصة الاستيلاء عليها..
فهذا، الفعل من العبد الصالح، هو مما يجرى مجرى العادة فى أفعال الناس على مستوى الظاهر.. ولو أمكنت الفرصة أصحاب السفينة أن يحدثوا فيها ما أحدث العبد الصالح لفعلوا، ولكن وسائلهم إلى هذا كانت محدودة، والأمر أسرع من أن ينتظر تلك الوسائل المحدودة القاصرة.. فلما أن فعل العبد الصالح ما فعل لم ينكر عليه أصحاب السفينة فعلته، وإلا لأمسكوا به وبصاحبه.. ولكنهم.. وقد رأوا فى هذا الفعل الحكيم الحاسم ما يحقق إرادة كانت تراودهم ولا يجدون سبيلا لتحقيقها- أمسكوا عن أن يقولوا شيئا، أو يحدثوا أية حركة تنبىء عن أن أمرا قد حدث، حتى لا يفتضح هذا الفعل، الذي ربّما عدّوا صاحبه الذي فعله واحدا من جماعة حركة مضادة للملك، قائمة فى وجه هذا الفعل الظالم الذي يجريه على أصحاب السفن!! إذن.. فالأمر هنا لا يخرج عن أن يكون إرادة بشرية، إزاء أمر عارض، يأخذه الإنسان بتقديره، ويجريه بإرادته..! وحقّ للعبد الصالح أن يقول:
«فأردت» ناسبا الفعل إلى إرادته..
أما فى قتل الغلام، فإن الأمر مختلف، حيث كانت المسافة بعيدة بين دواعى قتله عند العبد الصالح، وبين ظاهر الحال من أمر هذا الغلام.. كما أن الحكمة التي سيكشف عنها العبد الصالح لموسى من قتل هذا الغلام، معلّق تحقيقها بمستقبل بعيد يستغرق من الزمن، مدّة الحمل بطفل، ثم ولادته، ثم بلوغه مبلغ الرجال، حيث يبدو صلاحه، وينكشف معدنه..
وهذا كله من شأنه أن يوقع فى نفس موسى كثيرا من الشكوك والريب حول تقبّل هذا التعليل الذي تعلل به صاحبه لقتل الغلام..
ولهذا جاء إليه صاحبه من عل، فتحدث إليه بلسان الذي يعرض نفسه