فى مستوى غير المستوي الذي كان يخاطبه فيه، بعد خرق السفينة..
إنه هنا يملك من العلم ما ينبغى أن يذكره موسى إن كان قد نسيه حين جاءه يطلب التعلم من علمه.. ولهذا قال له بضمير المتكلم المعظم نفسه:
«فَخَشِينا» ولم يقل «فخشيت» ثم قال: «فَأَرَدْنا» ولم يقل «فَأَرَدْتُ» ..
إنه هنا- وإن كان عبدا من عبيد الله- يحدّث بنعمة الله عليه، وبما آتاه من رحمته، وما علمه من لدنه من علم، وأنه يستند إلى قوى خفية، ينطق عنها، ويحدّث بجلالها وعظمتها.
وأمام الجدار، فقد رأى العبد الصالح أن يعود فى الحديث عنه إلى مكانه الطبيعي من قدرة الله، وأنه لا إرادة له مع إرادة الله، وأن حديثه عن نفسه بضمير المتكلم المعظم لذاته لم يكن إلا من قبيل التحدث بنعمة الله عليه..
ولهذا قال لصاحبه.. «فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما» ..
فنسب الأمر كله إلى الله سبحانه، وأضافه إلى إرادته جلّ شأنه.
هذا وجه من وجوه النظر فى هذا الاختلاف الذي جاء عليه النظم القرآنى لحديث العبد الصالح عن نفسه..
ووجه آخر.. وهو وجه يمكن أن يرى فيه العبد الصالح قد أضاف الفعلين الأولين- خرق السفينة وقتل الغلام- إلى نفسه، لما يبدو فى ظاهرهما من ظلم وعدوان، على حين أضاف إقامة الجدار إلى الله سبحانه وتعالى، إذ كان- كما يبدو- عملا من أعمال الخير والإحسان..
ووجه ثالث..
وهو أن الأحداث الثلاثة، فى مجموعها، تصور مشيئة الله سبحانه وتعالى ومشيئة الإنسان..