إن الحقيقة الفردية لا وجود لها فى منطق العقل، فهو لا يعرف الشيء، ولا يعترف به، إلا إذا عرف المقابل له، ولو كان هذا المقابل عدما وسلبا.. فهو إن عجز عن أن يجد فى عالم الواقع ما يقابل أو يضاد الشيء الذي بين يديه، انتزع من صفات العدم والسلوب لهذا الشيء، مشخّصات يقيم منها شخصية تقابله مقابلة التضاد والعناد.. فالوجود يقابله العدم، والحياة يقابلها الموت.. وهكذا..
يقول الفيلسوف الأمريكى «وليم چيمس» : «إننا لا ندرك تمام الإدراك القضية الصادقة، حتى نعلم مضمون ما يناقضها من قضايا كاذبة.. فالغلط ضرورى ليظهر الحقيقة على أحسن منوال، كما أن ظلام الجانب الخلفى- فى آلة التصوير- ضرورى ليظهر صفاء الصورة ونضارتها» .
ولعمر بن الخطاب- رضى الله عنه- كلمته المأثورة:«من لم يعرف الشرّ جدير بأن يقع فيه» .
وعن طريق هذه الثنائية للأشياء، استطاع العقل أن يبعث الحياة فى الكائنات الجامدة، وأن يقيم من المعاني المجرّدة مشخصات، حين يجمع بين المتضادات، ويقابل بين المتناقضات، فتتعاند، وتتصادم، ويتولد من تعاندها وتصادمها واحتكاكها، شرارات المعرفة، التي تكشف للعقل عن حقيقتين فى وقت معا، عند معالجته لحقيقة واحدة.. هما: الشيء وضده، أو الشيء ومقابله.
وعن هذه الثنائية، نشأ هذا التلازم بين الخير والشر.. فإذا ذكر الخير، ذكر معه الشرّ، وظهرا معا فى مجال الفكر متقابلين، تقابل الصورة وسالبها فى عمل للصورة «الفتوغرافية» .
والسؤال هنا هو: هل هذا التلازم بين الخير والشر أمر واقع فى الحياة؟