إننا نتحدث منذ أخذنا فى هذا الحديث، عن الخير والشر، كأنهما حقيقتان واقعتان، متفق على ماهيتهما، متعارف على الحدود القائمة بينهما..
مع أن الواقع غير ذلك..
فمع اعتراف المعترفين بالخير والشرّ، فإن خلافا كبيرا قد وقع بينهم فى تحديد الصورة، التي يكون بها الخير خيرا والشرّ شرّا..
ما هى الضوابط التي تضبط معنى الخير؟ والتي إن تحققت فى أمر من الأمور عرف أنه خير؟ وإن تخلّف بعضها وتحقق بعضها عرفت نسبة الخير فيه؟
إنه بغير هذه الضوابط ستتفرق بالناس السّبل، حيث تعدد المفاهيم للخير والشرّ. على حسب تعدد الناس، وحسب ما يرون، وما يقدّرون. فلا يلتقون على طريق واحد فيما يأخذون أو يدعون، ولا فيما يحمدون أو يكرهون، ولا فيما يثيبون أو يعاقبون.
ما الخير إذن؟
يكاد يكون الخير أمرا بدهيا، لكثرة إلف الناس له، وإحساسهم به..
فهو لهذا لا يكاد يضبط أو يحصر داخل حدّ محدود.. إنه مشاع فى الناس، واقع فى إحساسهم.. كل يراه من الأفق الذي يعيش فيه.. فيبدو لبعض الناس فى صورة المتاع الجسدى من طعام وشراب، ولباس، وغير هذا مما هو من حظ الجسد، على حين يراه آخرون فى ألوان من الأدبيّات، التي تعلو بالروح، وتسمو بالوجدان.. وبين هذه الآفاق الصاعدة والآفاق النازلة، درجات لا تكاد تحصى، وتكاد تكون على تعداد الناس.. فردا فردا..
ولكن إذ قد اختلفت معابير الناس فى الخير- وهذا أمر طبيعى- لاختلاف رغباتهم، وتنوع مطالبهم، فليس معنى هذا ألا يكون هناك خير،