وعلى هذا يمكن أن يرجع البصر كرة أخرى، إلى تلك الآيات في قوله تعالى:«وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ.. وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» .. ففى كلّ آية آيات، لو وجدت النظر الذي ينظر إليها، ويكشف عن بعض معطياتها..
ففى قوله تعالى:«وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ» تتمثل تلك الصورة التي يفعلها المطر حين ينزل الأرض، فيسفر به وجهها، ويهزّ له كيانها، وإذا هى وقد كانت جرداء، ميتة موحشة، قد لبست أثوابا قشيبة مختلفة الألوان والأصباغ، وإذا هى حياة دافقة، وشباب نضير.. وهكذا في جريان الفلك، وفي الابتغاء من فضل الله.. فيهما مجال فسيح للنظر، ومراد واسع للفكر، ومسبح رائع للخاطر..
وفي قوله تعالى:«وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ» - إشارة إلى ما يكون عليه الناس، حين تنقطع عنهم موارد الماء، ويغبّر وجه الأرض، ويتهددهم القحط والموات.. ففى هذه الحال يغشى الناس همّ ثقيل، وينزل بهم كرب كارب، فإذا هم وقد أبلسوا، وجمدوا في أماكنهم، فلا حسّ، ولا حركة.. قد أسلموا أنفسهم ليأس قاتل.. فإذا طلعت عليهم رحمة الله، بعثوا بعثا جديدا، وسرت في أوصالهم ريح العافية، فانتشوا نشوة صاحية، ذاقوا منها حلاوة النعمة، وعرفوا قدرها..