«من» هنا للتبعيض، والمراد من هذا، بيان حال أولئك الذين لم يطلبوا الهدى، ولم يلتمسوا الأسباب التي تفتح لهم الطريق إليه.. فالناس فريقان:
فريق طلب الهدى، فهداه الله، وكان من الفائزين المفلحين، وفريق لم يرفع إلى الهدى رأسا، بل أقام وجهه على الضلال، وسعى حثيثا إليه، وأمسك بكل ما يحول بينه وبين الاتجاه نحوه.. وبدلا من أن يغشى مجلس الإيمان، ويستمع إلى آيات الله، ويتلقى منها النور الذي يضىء جوانب نفسه المظلمة، ويجلّى عنها غواشى الضلال- بدلا من هذا، شغل نفسه، بتلك الأحاديث اللاهية التافهة، يترضى بها أهواءه، ويشبع بها جوع نزواته، فضلّ بذلك عن سبيل الله، واتخذ آيات الله التي يسمعها هزوا، لأنها ترد على إنسان قد غرق في اللهو، وسكر بما يتعاطاه من كئوس الضلال، فلا يرى فيها إلا ما اعتاد أن يراه، ويتعامل به من لهو وضلال.. فهذا الضال ومن على شاكلته، لا جزاء لهم إلا النار.
والضمير في قوله تعالى:«وَيَتَّخِذَها» يمكن أن يعود إلى آيات الكتاب فى قوله تعالى: «تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ» كما يمكن أن يعود إلى سبيل الله في قوله تعالى: «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» .. إذ كانت سبيل الله هى التي أقامتها آيات الله، وكشفت للناس معالم الطريق إليها..
وفي قوله تعالى:«بِغَيْرِ عِلْمٍ» - إشارة إلى أن ضلال هذا الضال لم