إنه اتهام صريح للنبىّ بأنه كاذب افترى هذا القرآن الذي يدعوهم إليه، بدعوة الله..
وقوله تعالى:«فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» .. هو تهديد للمشركين بقبض هذه اليد الممدودة لهم بالهدى، ورفع هذه المائدة المبسوطة لهم بالخير.. وإذا هذا القرآن الذي نزل على النبي قد ختم عليه فى قلبه- صلوات الله وسلامه عليه- فاحتواه كله، وغربت شمسه فيه، فلم يخرج منه شىء لهؤلاء المشركين، بل يتركون وما هم فيه من ظلام وضلال، وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى قوله:«وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً»(٨٦- ٨٧: الإسراء) .. والله سبحانه وتعالى قادر على أن يمحو هذا الباطل المجسد فى هؤلاء المشركين ويقطع دابرهم، فلا ترى منهم أحدا، فبكلمة من كلمات الله، يمحو سبحانه هذا الباطل، ويقضى على أهله، ويحقّ الحق، ويثبت دعائمه.
وقوله تعالى:«إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» أي أنه سبحانه إذ يقضى قضاءه فى هؤلاء المشركين، فإنما يقضى بعلمه الذي يكشف ما تنطوى عليه الصدور، فيهلك الضالين الظالمين، وينجّى المؤمنين المتقين.
والمشيئة هنا فى قوله تعالى:«فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ» مشيئة غير واقعة، لأنها معلقة بشرط غير واقع.. فالله سبحانه لم يشأ أن يختم هذا الختم على قلب النبي.. وهذا مثل قوله تعالى:«وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» وقوله سبحانه: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ»(١١٢: الأنعام) . وقوله جل شأنه:«وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً»(١١٨: هود) .