للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذئاب قد اخضرّت براثنها ... والناس كلّهم بكر إذا شبعوا

فكان من حكمة الله سبحانه وتعالى، أن وزع الأرزاق بين الناس بقدر، فلم يعط الناس جميعا حاجتهم، فوسّع على بعض، وضيّق على بعض، حتى يعمر الكون، ويتخذ بعضهم بعضا سخريا، وحتى يشغلوا بمطالب العيش، وحتى يكون فى هذا الشغل ما يصرف جانبا من عدوان بعضهم على بعض إلى السعى والعمل فى وجوه الأرض.. إذ لو أنهم كفوا جميعا السعى فى طلب الرزق، لكان شغلهم كله، هو البغي والعدوان.. فالذين بسط الله سبحانه وتعالى لهم الرزق، هم غالبا مثار بغى وعدوان، وقليل منهم من يشكر الله، ويذكر فضله، فيرعى حق الله فيما خوّله من نعم، وبسط له من رزق. وهذا مشاهد فى الدول الاستعمارية الآن.. إنها مصدر إزعاج لأمن الإنسانية وسلامتها..

وقد ضرب الله سبحانه مثلا لطغيان أصحاب المال وتسلطهم، بقارون، فقال تعالى: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» (٧٦: القصص) ! كما ضرب سبحانه وتعالى مثلا بالخصمين اللذين اختصما إلى داود- عليه السلام- فقال تعالى على لسان أحدهما: «إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ» (٢٣: ص) وفى قوله تعالى: «وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ» أي أنه سبحانه ينزل من الرزق ما تقضى به حكمته، فيبسط الرزق لمن يشاء ويقدره لمن يشاء، كما يقول سبحانه: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ» (٦٢: العنكبوت) .

وقوله تعالى: «إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» - إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى إنما لم يبسط الرزق لعباده، لأنه خبير عليم بهم، بصير مقدّر لما هو أصلح لهم.. ولو أنه سبحانه بسط لهم الرزق لبغوا فى الأرض، ولما صلح لهم أمر فيها..

<<  <  ج: ص:  >  >>