للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمثل لهذا ما يذكره المسلمون من يوم أحد، وقد أكرهوا النبىّ على الخروج من المدينة، للقاء المشركين، وكان من رأيه- صلوات الله وسلامه عليه- أن يتحصّن بها، فإن دخلها عليه المشركون قاتلهم المسلمون، وقاتل معهم الصبيان والنساء، وكانت الدور حصونا لهم.. وقد خرج النبىّ بالمسلمين إلى أحد، على غير رضا، وكان الذي حدث! ومثل آخر، يذكره المسلمون من يوم الحديبية، فلو أن الرسول استجاب لما كان يراه المسلمون يومئذ من قتال المشركين، حتى يتمكنوا من دخول مكة، والطواف بالمسجد الحرام- لو أن الرسول فعل هذا وكان قتال بينهم وبين المشركين، لسالت دماء غزيرة، ولذهبت نفوس كريمة من المؤمنين وربما كانت الدائرة عليهم.. وهاهم أولاء يرون أن الطريق إلى البيت الحرام قد صار مفتوحا لهم من غير قتال، وأنهم قد غنموا خيبر أيضا، إلى جانب هذا الفتح الذي لم ترق فيه دماء، ولم تذهب فيه أرواح! قوله تعالى: «وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» .

أي ولكنكم أيها المسلمون لم تخالفوا رسول الله، ولم تخرجوا عن أمره، إذ قد حبّب الله سبحانه وتعالى إليكم الإيمان وزيّنه فى قلوبكم، وبهذا الحبّ للإيمان، والولاء لجماله وجلاله فى نفوسكم، كنتم على طاعة وولاء لرسول الله، لأن ذلك من ثمرات الإيمان الوثيق، الذي تعلقت به القلوب، وانتعشت به النفوس، وذلك الإيمان الذي غرسه الله فى قلوبكم، وحببه إليكم، وزينه لكم- قد كرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان.. إذ لا يجتمع إيمان وكفر، ولا يلتقى إيمان وفسوق عن أمر الله ورسوله، وعصيان لله ورسوله..

وقوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ» .. إشارة إلى هؤلاء المؤمنين

<<  <  ج: ص:  >  >>