لمّا كان هذا، كان أمر الله للمسلمين فى القتال، أن يكون المقاتل منهم فى مقابل اثنين من أعدائهم..
ومن هذا ندرك السرّ فى تلك التوجيهات الّتى كان يوجه بها النبي أصحابه حين يسألونه مثلا: أي الأعمال أفضل؟ فيقول لهذا قولا، ولذاك قولا، ولثالث قولا آخر.. وهكذا، حسب ما يرى الرسول الكريم فيهم من قدرة واستعداد، فيوجه كلّ واحد منهم الوجهة الّتى يصلح لها، ويقدر على السير فيها..
على أن هذا ينبغى ألّا يفهم على غير وجهه السليم، وألّا يتأول تأويلا فاسدا، فيجعل المرء هذه الاستطاعة تكأة يتحلل بها من تكاليف الشريعة، ويتخفف من أوامرها ونواهيها، محتكما فى ذلك إلى هواه فى تقدير الحدّ الّذى تبلغه استطاعته، فيترك الصوم مثلا، لأن الجوع يؤذيه، والعطش يشقّ عليه، أو لأن ترك بعض العادات المتمكنة منه، يفسد تفكيره، ويعلّ جسده.. وقل مثل هذا فى كثير من أوامر الدين ونواهيه، حيث يبحث المرء عن مخرج يخرج به منها، وعن علة يتعلل بها، للتحلل من هذا القيد، والفكاك من هذا الالتزام.. إن هذا من شأنه أن يفسد على المرء دينه، ويغتال كل صالحة فيه.
وإن فى الشرّ خيارا.. وإنه لخير المرء فى هذا المقام أن يترك فريضة من فرائض الله، أو يقصر فى أدائها، عن فتور، أو عدم مبالاة- إن ذلك لخير له من أن يكون تركه الفريضة، أو تقصيره فى أدائها، ناجما عن فتوى كاذبة خادعة، يفتى بها نفسه، ليتحلل من عقد لله الّذى لزمه، من فرائض الشريعة وأحكامها..
إن التكاليف الشرعية لها أعباؤها، ولها مشقاتها، وإنها بغير هذا لا يكون لها ميزان فى فعل الطاعات، واجتناب المنبهات، فمن أطاع أمرا، فإنما تكون طاعته عن مغالبة أهواء، ودفع شهوات، ومن انتهى عن منهىّ عنه، كان