للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباد الله المكرمين.. والوسط من كل شىء خياره، وأعدله، ولبابه، ومنه قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» (١٤٣: البقرة) وفى الأثر: «خير الأمور أوساطها» .. وقد وصف الله سبحانه الشجرة المباركة الزيتونة بأخذها مكانا وسطا بين الشرق والغرب، فقال تعالى: «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» (٣٥: النور) .. ووسط القوم أدناهم إلى الحق والخير..

وفى هذه الجماعة من أصحاب الجنة، كان فيهم من لم يرض فى قرارة وجدانه عن هذا التدبير السيئ الذي دبره أصحابه، وربما كان له موقف معارض لما أرادوا.. ولكن أصحابه غلبوه على أمره، لأن إيمانه بما كان يدعوهم إليه لم يكن متمكنا من قلبه ولو أن هذا الإيمان كان قويّا متمكنا، لما تحول عنه، ولكان بالحق الذي معه، قادرا على أن يقهر الباطل الذي معهم.. ولهذا أخذه الله بما أخذ به أصحابه، من ابتلاء..

لقد كان فى كيانه شرارة من خير، ولكنه لم يقدح هذه الشرارة بعزيمة صادقة، وإرادة عاقلة، فانطفأت جذوتها، وأصبحت رمادا لا يرجى منه خير..

وهكذا كل من يجد فى نفسه نازعة من نوازع الخير ثم يغفل عنها، إنها تموت كما تموت النبتة البازعة على وجه الأرض، إن لم تجد من يرعاها، ويسقيها..

وفى قوله تعالى: «قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ؟» - بيان لموقف هذا الإنسان المقتصد فى عدوانه، وأنه هنا يذكّر أصحابه بموقفه الذي كان منه معهم..

«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ؟» أي ألم أقل لكم، قولا لو أخذتم به لما حدث لنا هذا الذي حدث؟. وقد حذف مقول القول، لدلالة الحال عليه.. وهذا أولى عندنا من أن يكون مقول القول هو قوله: «لَوْلا تُسَبِّحُونَ» كما يذهب إلى ذلك أكثر المفسرين..

<<  <  ج: ص:  >  >>