للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله القديم- وبه قال مالك وأحمد- يلزمه القيمة بعد ما أكل. وإذا ذبح المحرم صيدا لم يحل له الأكل منه ولا لغيره في الجديد- وبه قال مالك وأحمد وأبو حنيفة- لأنه يكون ميتة كذبيحة المجوسي حتى لو كان مملوكا وجب مع الجزاء القيمة للمالك. وهل يحل له بعد زوال الإحرام؟ أظهر الوجهين لا، وكذا الكلام في صيد الحرم إذا ذبح. أما قوله لِيَذُوقَ فإنه متعلق بقوله فَجَزاءٌ أي فعليه أن يجازي أو يكفر ليذوق، ويحتمل أن يقال: يتعلق بمحذوف أي شرعنا ما شرعنا ليذوق سوء عاقبة فعله وهو هتك حرمة الحرم والإحرام.

والتركيب يدور على الثقل يقال: مرعى وبيل إذا كان فيه وخامة، وطعام وبيل تقيل على الطبع والمعدة. والأمور الثلاثة اثنان منها نقص في المال فيثقل على الطبع، والثالث وهو الصوم ثقيل على البدن أيضا، وكل منها نوع عقوبة عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ في الجاهلية لأنهم متعبدون بشرع من قبلهم، أو عما سلف قبل التحريم في الإسلام. وعلى مذهب داود عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ في المرة الأولى بسبب أداء الجزاء وَمَنْ عادَ فإنه أعظم من أن يعفى بالجزاء فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ أي فهو ينتقم الله منه وإلا لم يحتج إلى إدخال فاء الجزاء لارتباطه بنفسه. أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ أي مصيداته. ويعني بالبحر جميع هذه المياه والأنهار، وجملة ما يصاد منه ثلاثة أجناس: الحيتان وجميع أنواعها حلال، والضفادع وجميع أنواعها حرام، وفيما سوى هذين خلاف. فقال أبو حنيفة: حرام. وقال ابن أبي ليلى والأكثرون:

حلال. قوله وَطَعامُهُ العطف يقتضي المغايرة وفيه وجوه: يروى عن أبي بكر الصديق أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته، والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه. وقال جمع من العلماء: الاصطياد قد يكون للأكل وقد يكون لغيره كاصطياد الصدف لأجل اللؤلؤ واصطياد بعض الحيوانات البحرية لأجل عظامها وأسنانها.

فالمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصطاد في البحر، وأحل لكم أكل المأكول منه. وعن سعيد بن جبير أن الصيد هو الطري، والطعام هو القديد منه وفي الفرق ضعف. قال الشافعي: السمكة الطافية في البحر محللة لأنه طعام البحر وقد قال تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ

وقال صلى الله عليه وسلم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» «١»

مَتاعاً لَكُمْ في الحضر طريا ولِلسَّيَّارَةِ في السفر مالحا. وانتصب مَتاعاً على أنه مفعول له ولكنه


(١) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٤١. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٥٢. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤٦. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٣٨. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ١٢.
الدارمي في كتاب الوضوء باب ٥٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٧) ، (٣/ ٣٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>