يُقاتِلُونَ وقيل: مبتدأ خبره الْعابِدُونَ وما بعده أي التائبون من الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال. أما تفسير هذه الأوصاف فقد قال ابن عباس والحسن:
التائبون هم الذين تابوا من الشرك وتبرأوا عن النفاق. ومال آخرون الى التعميم ليشمل المعاصي أيضا إذ لا دليل على التخصيص والْعابِدُونَ قال ابن عباس: هم الذين يرون عبادة الله واجبة عليهم. وقال الحسن: هم الذين عبدوا الله في السراء والضراء، والعبادة لا شك أنها عبارة عن نهاية التعظيم وغاية الخضوع. وقال قتادة: هم قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم. والْحامِدُونَ هم الذين يقومون بحق شكر نعم الله ويجعلون إظهار ذلك عادة لهم، وذلك أن الحمد ذكر من كان قبل آدم لقول الملائكة وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ [البقرة: ٣٠] وذكر أهل الدنيا يقولون في كل يوم سبع عشرة مرة الحمد لله رب العالمين، وذكر من يكون بعد خراب الدنيا لقوله: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠] والسَّائِحُونَ قال عامة المفسرين: هم الصائمون لقوله: «سياحة أمتي الصيام» . ثم قيل: هذا صوم الفرض. وقيل: الذين يديمون الصيام. قال الأزهري: إنما قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبد لا زاد معه فيكون ممسكا عن الأكل والشرب كالصائم. وقيل: أصل السياحة الاستمرار على الذهاب كالماء الذي يسيح والصائم مستمر على فعل الطاعة وترك المنهي عنه من الأكل والشرب والوقاع. وقال أهل المعنى: الإنسان إذا امتنع من الأكل والشرب انفتحت عليه أبواب المعاني والحكم وتحلت له أنوار المعارف والحقائق فيحصل له سياحة في عالم العقول. وقيل: السائحون طلاب العلم ينتقلون من بلد إلى بلد في طلب العلم في مظانه، وكانت السياحة في بني إسرائيل.
قال عكرمة عن وهب بن منبه: لا ريب أن للسياحة أثرا عظيما في تكميل النفس لأنه يلقى أنواعا من الضر والبؤس فيصبر عليها، وقد ينقطع زاده فيتوكل على الله فيصير ذلك ملكة له، وقد ينتفع بالمشاهد والزيارات للأحياء وللأموات ويستفيد ممن هو فوقه ويفيد من هو دونه ويكتسب التجارب ومعرفة الأحوال والأخلاق والسير والآثار الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ يعني المصلين قال بعض العلماء: إنما جعل الركوع والسجود كناية عن الصلاة لأن سائر هيئات المصلي موافقة للعادة كالقيام والقعود، وإنما الفصل بين المصلي وغيره بالركوع والسجود. وقيل: أول مراتب التواضع القيام وأوسطها الركوع وغايتها السجود فخصا بالذكر تنبيها على أن المقصود من الصلاة نهاية الخضوع. ثم قال: الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ومعناهما مذكور فيما مر إلا أن هاهنا بحثا آخر وهو أنه لم أدخل الواو في قوله: وَالنَّاهُونَ وَالْحافِظُونَ دون سائر الأوصاف؟ وأجيب بأن النسق يجيء