للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي فيه ونزل عليّ ما كانَ لِلنَّبِيِّ الآية.

فقال بعضهم كصاحب الكشاف والحسين بن أبي الفضل: هذا أصح لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا، وكانت وفاة أبي طالب بمكة في أول الإسلام. ويمكن أن يوجه الأول بأنه صلى الله عليه وسلم لعله بقي مستغفرا إلى حين نزول الآية. ثم اعتذر عن استغفار إبراهيم لأبيه بأنه صدر عن موعدة وعدها إياه، وذلك أن أباه كان وعد إبراهيم أن يؤمن فكان يستغفر له بناء على ذلك الوعد. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لإبراهيم أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ إما بإصراره على الكفر أو بموته على ذلك أو بطريق الوحي تَبَرَّأَ مِنْهُ وترك الاستغفار. ويجوز أن يكون الواعد إبراهيم عليه السلام ويوافقه قراءة الحسن وعدها أباه بالباء الموحدة وذلك في قوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة: ٤] وعده أن يستغفر له رجاء إسلامه. وقيل: المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه له إلى الإسلام الموجب للغفران، وكان يتضرع إلى الله تعالى أن يرزقه الإيمان. وقيل: المقصود النهي عن صلاة الجنازة فكان قوله: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ [التوبة: ٨٤] في حق المنافقين خاصة وهذه في حق الكافرين عامة. ثم ختم الآية بقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ قال أهل اللغة:

أوّاه «فعال» مأخوذ من حروف «أوه» كلمة يقولها المتوجع، وذلك أن الروح القلبي يختنق عند الحزن في داخل القلب ويشتد حرارته فإذا تكلم صاحبه بها خرج ذلك النفس المختنق فخفف بعض ما به،

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأوّاه الخاشع المتضرع»

والحلم ضد السفه، وصفه تعالى بشدّة الرأفة والشفقة والخوف والوجل فبين أن إبراهيم مع هذه العادة تبرأ من أبيه حين انقطع رجاؤه منه فأنتم بهذا المعنى أولى. ثم إن المسلمين خافوا أن يؤاخذوا بما سلف منهم من الاستغفار للمشركين فأنزل الله ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً أي عن طريق الجنة أو يحكم عليهم بالضلال أو يخذلهم أو يوقع الضلالة في قلوبهم حين يكون منهم الأمر الذي يستحق به العقاب بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ما يجب عليهم أن يحتزروا عنه. والحاصل أن الله لا يسمي قوما ضلالا بعد إذ سماهم مهديين ما لم يقدموا على شيء مبين خطره، وأما قبل العلم والبيان فلا يؤاخذهم كما لم يؤاخذ بشرب الخمر والربا قبل تحريمهما. وفي الآية تشديد عظيم حيث جعل المهدي للإسلام إذا أقدم على بعض المحظورات داخلا في حكم الضلال. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ والمراد أن من كان عالما قادرا هكذا لم يحتج إلى أن يفعل العقاب قبل البيان وإزاحة العذر. قالت المعتزلة: وفيه دليل على أنه يقبح من الله الابتداء بالعقاب. وأجيب بأن له ذلك بحكم المالكية غاية ما في الباب أنه لا يعاقب إلا بعد إزاحة العذر عادة، وفي قوله: إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>