قال ابن عباس: لفظة الذرية يعبر بها عن القوم على وجه التحقير، ولا ريب أن المراد هاهنا ليس هو الإهانة، فالمراد التصغير بمعنى قلة العدد. وقيل: المراد أولاد من أولاد قومه كأنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون، وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف من فرعون أن يصرفهم عن دينهم بتسليط أنواع البلاء عليهم. وقيل: إن الذرية أقوام كان آباؤهم من قوم فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل. وقيل: الذرية مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنه وماشطته، فالضمير في قَوْمِهِ على هذا لفرعون وعوده إلى موسى أظهر لأنه أقرب المذكورين، ولما نقل أن الذين آمنوا به كانوا من بني إسرائيل والضمير في ملئهم إما لفرعون على جهة التعظيم لأنه ذو أصحاب يأتمرون له، أو المراد آل فرعون بحذف المضاف، أو للذرية يعني أشراف بني إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم يدل على ذلك قوله:
أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يعذبهم فرعون. ثم أكد أسباب الخوف بقوله: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ لغالب فِي الْأَرْضِ أرض مصر وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ في القتل والتعذيب أو لمن المجاوزين الحد لأنه من أخس العبيد فادعى الربوبية العليا وَقالَ مُوسى تثبيتا لقومه إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ صدقتم به وبآياته فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا خصوه بتفويض أموركم إليه إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ قال العلماء: المؤخر في مثل هذه السورة مقدم في المعنى نظيره: إن ضربك زيد فاضربه إن كانت بك قوة. والمراد إن كانت بك قوة فإن ضربك زيد فاضربه فكأنه قيل لهم في حال إسلامهم إن كنتم منقادين لتكاليف ربكم بالإخلاص مصدقين له بالتحقيق عارفين بأنه واجب الوجود لذاته وما سواه محدث مخلوق مقهور تحت حكمه وتدبيره، ففوضوا جميع أموركم إليه وحده. فَقالُوا مؤتمرين لموسى عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا ثم اشتغلوا بالدعاء قائلين رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً أي موضع فتنة لهم. والمراد بالفتنة تعذيبهم أو صرفهم عن دينهم، أو المراد لا تفتن بنا فرعون وقومه لأنك لو سلطتهم علينا صار ذلك شبهة لهم في أنا لسنا على الحق. ويجوز أن تكون الفتنة بمعنى المفتون أي لا تجعلنا مفتونين بأن تمكنهم من صرفنا عن الدين الحق، ولما قدموا التضرع إلى الله في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه سؤال عصمة أنفسهم فقال: وَنَجِّنا الآية. وفي ذلك دليل على أن عنايتهم بمصالح الدين فوق اهتمامهم بمصالح النفس، وهكذا يجب أن تكون عقيدة كل مسلم والله الموفق. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً تبوّأ بالمكان اتخذه مباءة ومرجعا مثل توطنه إذا اتخذه وطنا. واختلف المفسرون في البيوت فمنهم من ذهب إلى أنها المساجد كقوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ