للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النور: ٣٦] فالمراد من قوله: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أن يجعل تلك البيوت مساجد متوجهة نحو القبلة وهي جهة بيت المقدس أو الكعبة على ما نقل عن ابن عباس. وقال الحسن: الكعبة قبلة كل الأنبياء. وإنما وقع العدول عنه بأمر الله تعالى في أيام نبينا صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة. ومنهم من قال: إنها مطلق البيوت. ثم قيل: المراد واجعلوا دوركم قبلة أي صلوا في بيوتكم. وقيل: المراد اجعلوا بيوتكم متقابلة، أما السبب في اتخاذ هذه البيوت فأن يصلوا في بيوتهم خفية خيفة من الكفرة كما كان المؤمنون على ذلك في أول الإسلام بمكة، أو المقصود الجمعية واعتضاد البعض بالبعض. وقيل: على التفسير الأول لما أظهر فرعون العداوة الشديدة أمر الله موسى وهارون وقومهما باتخاذ المساجد على رغم الأعداء وتكفل أن يصونهم عن شرهم. وإنما ثنى الخطاب أوّلا ثم جمع لأن اختيار المكان للعبادة مما يفوض إلى الأنبياء فخوطب موسى وهارون بذلك، ثم جعل الخطاب عاما لهما ولقومهما لأن استقبال القبلة وإقامة الصلاة واجب على الجمهور. ثم خص موسى عليه السلام بالتبشير في قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ لأن الغرض الأصلي من جميع العبادات هو هذه البشارة فلم تكن لائقة إلا بحال موسى الذي هو الأصل في الرسالة، وفيه تعظيم لشأن البشارة والمبشر (قال الضعيف مؤلف الكتاب) قد سنح في خاطري وقت هذه الكتابة أن الخطاب في قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ لنبينا صلى الله عليه وسلم على طريقة الالتفات والاعتراض.

ومضمون البشارة أنه جعلت الأرض كلها لهذه الأمة مسجدا وطهورا دون سائر الأمم فإنهم أمروا باتخاذ موضع يرجعون إليه البتة للعبادة والله أعلم بمراده. ثم إن موسى عليه السلام لما بالغ في إظهار المعجزات القاهرة، ورأى القوم مصرين على الجحود والإنكار أخذ يدعو عليهم، ومن حق من يدعو على الغير أن يذكر أوّلا سبب الدعاء عليه فلهذا قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فالزينة عبارة عن الصحة والجمال واللباس والدواب وأثاث البيت والأموال ما يزيد على ذلك من الصامت والناطق. عن ابن عباس كانت لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة.

قالت الأشاعرة: اللام في قوله: لِيُضِلُّوا لام التعليل كأن موسى عليه السلام قال: يا رب إنك أعطيتهم هذه الزينة والأموال لأجل أن يضلوا، ففيه دلالة على أنه تعالى تسبب لضلالهم وأراد منهم ذلك وإلا لم يهيىء أسبابه. ثم شرع في الدعاء عليهم بالطمس على أموالهم. والطمس المحو أو المسخ كما مر في سورة النساء في قوله سبحانه: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النساء: ٤٧] وبالشد على قلوبهم ومعناه الاستيثاق والختم. وقالت المعتزلة: قوله لِيُضِلُّوا دعاء بلفظ الأمر للغائب، دعا عليهم بثلاثة أمور: بالضلال

<<  <  ج: ص:  >  >>