وبالطمس وبالشد. كأنه لما علم بالتجربة وطول الصحبة أن إيمانهم كالمحال أو علم ذلك بالوحي اشتد غضبه عليهم فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره قائلا ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليطبع الله على قلوبهم كما يقول الأب المشفق لولده إذا لم يقبل نصحه واستمر على غيه. سلمنا أن قوله: لِيُضِلُّوا ليس دعاء عليهم لكن اللام فيه للعاقبة كقوله: «لدوا للموت» . سلمنا أن اللام للتعليل لكنهم جعلوا الله سببا في الضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا. ولم لا يجوز أن يكون «لا» مقدرة أي لئلا يضلوا كقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ١٧٦] أي أن لا تضلوا، أو يكون حرف الاستفهام مقدرا في آتيت على سبيل التعجب. أما قوله تعالى: فَلا يُؤْمِنُوا فإما أن يكون معطوفا على قوله:
لِيُضِلُّوا على التفاسير كلها وما بينهما اعتراض، وإما أن يكون جوابا لقوله وَاشْدُدْ ويجوز أن يكون دعاء بلفظ النهي معطوفا على اشْدُدْ. قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما أضاف الدعوة إليهما لأن موسى كان يدعو وهارون يؤمن، ويجوز أن يكونا جميعا يدعوان إلا أنه خص موسى بالذكر في الآية لأصالته في الرسالة، والمعنى أن دعاءكما مستجاب وما طلبتما كائن ولكن في وقته فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من التبليغ والإنذار زيادة في إلزام الحجة، ولا تستعجلا فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا قليلا. قال ابن جريج: فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة يدعوهم إلى الله وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أن الاستعجال لا يفيد في اجابة الدعاء فقد يستجاب الدعاء ولكن يظهر الأثر بعد حين. وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ قد مرت تلك القصة في أوائل سورة البقرة في قوله:
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: ٥٠] الآية، ومعنى قوله: فَأَتْبَعَهُمْ لحقهم. يقال: تبعه حتى أتبعه، والبغي الإفراط في الظلم والعدو ومجاوزة الحد. وفي الآية سؤال وهو أن فرعون تاب ثلاث مرات إحداها قوله: آمَنْتُ وثانيتها أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وثالثتها وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم تقبل توبته. والجواب من وجوه: الأول أنه إيمان اليائس وأنه لا يقبل لأن الإلجاء ينافي التكليف. الثاني أنها لم تكن مقرونة بالإخلاص وإنما كانت لدفع البلية الحاضرة والمحنة الناجزة. الثالث أن ذلك التوحيد كان مبنيا على محض التقليد والمخذول كان من الدهرية المنكرين لوجود الصانع، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته إلا بنور الحجة القطعية. الرابع ما روي أن بعض بني إسرائيل لما جاوز البحر اشتغلوا بعبادة العجل فلعله أراد الإيمان بذلك العجل الذي آمنوا بعبادته في ذلك الوقت، وكانت هذه الكلمة سببا لزيادة الكفر. الخامس أن أكثر اليهود يميلون إلى التجسيم والتشبيه ولذلك عبدوا العجل فكأنه ما آمن إلا بالإله الموصوف