فأحسن ما يقال ما أدبنا الله تعالى به وأمرنا بقوله.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول االله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي الشيطَانُ أحَدَكمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حتى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ فَلْيَسْتعِذْ باللهِ وَلْيَنْتَهِ".
ــ
والمحدثين على هذا للأحاديث أي والآيات الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب وقد تظاهرت نصوص الشرع وإجماع العلماء على تحريم الحسد واحتقار المسلم وإرادة المكروه وغير ذلك من أعمال القلوب وعزمها المستقر ومعنى المؤاخذة بالعزم المصمم أن نفس العزم سيئة يؤاخذ بها مطلقًا أما السيئة المعزوم عليها فإن عملت كتبت عليه وإن تركها إجلالا لله تعالى أو إجلالًا وخشية كتبت له حسنة إلّا في تركها بذلك غاية المجاهدة لنفسه الأمارة بالسوء وزعم أن تركها ولو حياء من الناس يكتب به حسنة رد بأنه لا وجه له كذا يؤخذ من فتح الإله قوله:(فأحسنُ
مَا يقالُ فيهِ الخ) أي التعوذ الذي أدبنا الله به وأمرنا بقوله في هذا المقام. تموله:(وَرَوَيَنَا في صحيحَي البخارِي ومسلم) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي ولفظ مسلم والنسائي فليستعذ بالله ولينته اهـ، وظاهره أنَّ ذكر الجلالة من إفراد مسلم عن البخاري. قوله:(يأْتِي الشيطانُ) أي إبليس أو أحد أعوانه. قوله:(فيقولُ) أي في سر ذلك الموسوس له وضميره. شوله:(حتى تقول الخ) أي غاية قوله ينتهي إلى أن يقول له ما يريد أن يوقعه به في الكفر من قوله من خلق ربك. قوله:(فإِذَا بلغَ ذلك) أي فإذا بلغ الإنسان ذلك الخاطر القبيح هو قول من خلق ربك الضمير يعود للإنسان واسم الإشارة للقول المفهوم من يقول. قوله:(فليستعِذ بالله) أي من الشيطان الرجيم الذي أوقعه في قبح هذا المقال فيقول بلسانه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ملتجئًا إلى الله تعالى بسره إن يدفع عنه كيده وشره فإن كيد الشيطان مع اللحظ الإلهي لا أضعف منه قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء: ٧٦]. قوله:(ولْينْته) هو من الانتهاء افتعال من النهي أي لينته عن الوقوف مع هذا الخاطر والتفكر فيه وإن الشيطان إنما أوقعه فيه رجاء أن يقف معه ويتمكن في نفسه فيحصل لها شك أو ريب في تنزيه الله عن كل سمة من سمات الحدثان وإن دقت وخفيت فمن تنبه وكف عن الاسترسال مع ذلك الخاطر