قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنَّة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذُّنوب وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمُّ بيان ما يستثنى منه، والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته.
وهو ما رويناه في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آيَةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ".
وروينا في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أربَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ
ــ
[باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه]
قوله:(في الجملة) أي فلا يرد جواز بل وجوب بعض الكذب كما سيأتي. قوله:(وهو من أقبح القبائح) أي وإن تفاوتت رتب الأقبحية بتفاوت الأثر المترتب على الكذب فإن كان فيه حد أو كان كذباً على الأنبياء أو أحدهم أو يترتب عليه ضرر فهو كبيرة وإلا فصغيرة وصرح الروياني بأنه كبيرة مطلقاً وإن لم يضر فقال من كذب قصداً ردت شهادته وإن لم يضر بغيره لأن الكذب حرام بكل حال وروي فيه حديثاً قال ابن حجر في الزواجر وظاهر الأحاديث أو صريحها يوافقه وكان وجه عدولهم عن ذلك ابتلاء أكثر النّاس به فكان كالغيبة على ما من فيها عن جماعة وقال الأذرعي قد تكون الكذبة الواحدة كبيرة. قوله:(وهو ما رويناه في صحيحهما) سبق الكلام على تخريج الحديث وما يتعلق به في باب الوفاء بالوعد.
قوله:(وروينا في صحيحيهما) قال في الجامع الصغير ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي. قوله:(أربع) أي خصال أربع أو أربع من خصال فأربع مبتدأ جاز الابتداء به لما ذكر والجملة الشرطية خبر عن