اعلم أن ابتداء السلام سُنَّة مستحبة ليس بواجب، وهو سُنَّة على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة، كفى عنهم تسليم واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل. قال الإِمام القاضي حسين من أئمة أصحابنا في كتاب السِّيَر من تعليقه: ليس لنا سُنة على الكفاية إلا هذا.
قلت: وهذا الذي قاله القاضي من الحصر يُنكَر عليه، فإن أصحابنا رحمهم الله قالوا: تشميت العاطس سُنَّة على الكفاية كما سيأتي بيانه قريبًا إن شاء الله تعالى. وقال جماعة من أصحابنا بل كلُّهم: الأضحية سُنَّة على الكفاية في حق كل أهل بيت،
ــ
وإن ما جاء من سلامه عليهن المصرح به في الخبر الآخر فهو من خصوصياته عليه الصلاة والسلام فله أن يسلم وألا يسلم وأن يشير وألا يشير على أنه قد يراد بالإشارة مجرد التواضع من غير قصد السلام وقد يحمل على أنه لبيان الجواز بالنسبة إلى النساء وإن نهى التشبيه محمول على الكراهة لا على التحريم اهـ. وحكم السلام على النساء عندنا سيأتي فما ذكره من ذلك الاحتمال مبني على مذهبه والله أعلم أر على ما إذا تيقن الافتتان.
[باب حكم السلام]
قوله:(اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة) الإتيان بقوله مستحبة بعد قوله سنة يحتمل أن يكون إشارة لتأكده ويحتمل أن يكون لدفع توهم وجوبه والأول أولى ليكون قوله (ليس بواجب) مذكورًا في محله على سبيل التأسيس والثاني أنسب بظاهر العبارة قال الأصحاب: أما كونه سنة فلقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي ليسلم بعضكم على بعض وقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} أي وصرف عن الوجوب لما قام عندهم فيه وللأمر بإفشائه في الصحيحين كما تقدم بعضه وأما كون البدء سنة كفاية من الجماعة قلما سيأتي من خبر أبي داود وغيره. قوله:(فإن أصحابنا قالوا الخ) وكذا الأذان والإقامة والتسمية عند الأكل وفعل على ما يسن فعله بالميت فهذه كلها سنة كفاية عندنا.